عدد المساهمات : 1383 تاريخ التسجيل : 30/09/2012 العمر : 30 الموقع : 6 October City
موضوع: الأُمّ المقدّسـة في حضارة العرب الأربعاء فبراير 27, 2013 2:26 pm
الأُمّ المقدّسـة في حضارة العرب
الأُمّ المقدّسـة في حضارة العرب
(وقَضى رَبُّكَ أ لاّ تَعـبُدُوا إلاّ إيّاهُ وبالوالِدَينِ إحْساناً * إمّا يَبْلغنّ عِندكَ الكِبَر أحَدهُما أو كِلاهُما فلا تَقُل لَهما أُفٍّ ولا تَنهرهُما وقُل لَهُما قَولاً كَريماً ). ( الإسراء / 23 ـ 24 ) (وَوَصّيْنا الإنْسانَ بِوالِدَيهِ حَمَلْتهُ أُمُّهُ وَهناً على وَهن وفِصالُهُ في عامَيْنِ أَنِ اشْكُر لي ولِوالِديكَ إِليَّ المصِيرُ ). ( لقمان / 14 ) أكّدت الديانات السماوية جميعاً على احترام الوالدين وإكرامهما والتعامل معهما برفق وإحسان ومحبّة ورأفة ، وقد بيّن الرسول الكريم منهج الاسلام في ذلك بقوله : (إنّ الله بعثني بالرّحمة لا بالعقوق) . وبالتالي فإنّ برّ الوالدين هو جزء من نهج شامل جاء به الرسول الكريم ، حيث يقول : (إنّما بُعثتُ لاُتمِّم مكارمَ الأخلاق) . فليس برّ الوالدين إلاّ من الوفاء وتقدير الجميل وردّ العرفان لشخصين قدّما الغالي والنفيس وتحملا أنواع المتاعب وصرفا أعزّ الأوقات من أجل ولدهما ، فهل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان ، وتلك سنّة حياتية ، يخدم فيها كل جيل أبناءه ، ويعزّ فيها كل نسل آباءه . لذا قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) : (برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم) () . وقد أوجب الاسلام على الانسان المسلم نفقة والديه عند احتياجهما إضافة إلى نفقة ولده وزوجته ، ولكنّ الاحسان إليهما أمر يتجاوز الانفاق الواجب ، فهو يتضمّن التعامل معهما بلطف ورأفة واحترامهما وإجلالهما وتفقّد أحوالهما ومراعاة شؤونهما ، وطبيعي أنّ لذلك حدوداً وآداباً تجدها في كتب الفقه والأخلاق . ولا يرتبط البرّ بالوالدين بدينهما ، وأن يكونا على إيمان الانسان أو التزامه الديني ، وإنّما هو أمر مطلق ، فيجب على المسلم البرّ بوالديه مسلمَين كانا أم غير مسلمَين ، برّين كانا أم فاجرين . فعن الباقر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، قال : (ثلاث لم يجعل الله لأحد فيهنّ رخصة : أداء الأمانة إلى البرِّ والفاجر ، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر ، وبرّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين) () . وفي حديث آخر للامام الصادق (عليه السلام) ، يُبيِّن لنا فيه معنى البرّ والاحسان بالوالدين وبعضاً من آدابهما . قال الراوي : سـألتُ أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ : (وبِالْوالدينِ إحْساناً ) ما هو الإحسان ؟ فقال : الإحسان أن تحسن صحبتهما ، وأن لا تكلِّفهما أن يسألاك شيئاً ممّا يحتاجان إليه وإن كانا مُستغنيين ، أليسَ يقول الله : (لَن تنالوا البرّ حتى تُنفِقوا مِمّا تُحبّون ) ، وقال : (إمّا يبلغنّ عندكَ الكِبَر أحدهما أو كلاهما فلا تَقُل لَهُما أُفٍّ ولا تنهرهما ) ، قال : إن أضجراك فلا تقل لهما : أُفّ . ولا تنهرهما إن ضرباك ، قال : (وقُل لَهُما قولاً كريماً ) ، قال : إن ضرباك فقُل : غفرَ الله لكُما ، فذلك منك قول كريم . قال : (واخفض لهما جناحَ الذّلِّ مِنَ الرّحمة ) ، قال : لا تمل عينيك من النظر إليهما إلاّ برحمة ورقّة ، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ، ولا يدك فوق أيديهما ، ولا تقدم قدّامهما) () . وطبيعيّ أنّ هناك حقوقاً وواجبات على الوالدين تجاه الولد ، كما إنّ عليهما أن يبرّا الولد ويعيناه على برّهما ولا يدفعاه إلى عقوقهما ، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قوله : (رحم الله مَن أعانَ ولده على برِّه : وهو أن يعفو عن سيِّئته ويدعو له فيما بينه وبين الله) () . كما ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (حقّ الولد على والده أن يحسـن إسـمه ، ويحسن موضعه ، ويحسن أدبه)() . مع كل هذا التأكيد على برّ الوالدين والإحسان إليهما ، إلاّ أنّ الاسلام ـ كسائر الأديان الإلهية ـ كان له اهتمام أخصّ بالأم ، فأعطاها مكانة سامية رفيعة ، وأفاض عليها من العزّ والقدسيّة ، ما جعلها رمزاً للمحبّة ومنبعاً للحبِّ ومصدراً للخير ومجمعاً للبركة وللرحمة، يكفي في ذلك كلِّه قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (الجنّة تحت أقدام الاُمّهات) (). لذا قدّم البرّ بالأمّ على البرّ بالأب ، فعن الصادق (عليه السلام) : جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : يا رسول الله ، مَن أبِرُّ ؟ قال : أمّك ، قال : ثمّ مَن ؟ قال : أمّك ، قال : ثمّ مَن ؟ قال : أمّك ، قال : ثمّ مَن : قال : أباك .() وفي رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام) يشرح الامام دور الأم وتضحياتها من أجل ولدها ، ثمّ يبيِّن أنّ حق الأم عظيم وكبير لا يمكن للانسان أداؤه إلاّ بتوفيق من الله ، فهو يقول : (أمّا حقّ أمّك فأن تعلم أ نّها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحداً ، وأعطتكَ من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحداً ، وَوَقَتْكَ بجميع جوارحها ، ولم تُبالِ أن تجوعَ وتُطْعِمَكَ ، وتعطشَ وتَسقيك ، وتعرى وَتَكسوك ، وتَضحى وتظلّك ، وتهجر النوم لأجلك ، وَوَقَتْكَ الحرّ والبرد ، لتكون لها ، فإنّك لا تطيق شكرها إلاّ بعون الله وتوفيقه) . ونجد في رواية أخرى عن رسول الله أ نّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : اعتبر عمل شاب يعمل لأجل إعالة أمّه نوعاً من أنواع العمل في سبيل الله المؤدي إلى الجنّة ، وعندما سأله الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا شاب ! هل لكَ مَن تعول ؟ قال : نعم ، قال : مَن ؟ قال : أمِّي . بادرهُ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقول : إلزَمها ، فإنّ عند رجليها الجنّة ... () . وبذلك نعلم الموقع الفريد والمكانة السامية التي تحتلّها الأم في دنيا الاسلام ، ويأتي ذلك متمِّماً لخط مستمر ومنهج متكامل على طريق إكرام المرأة وإعظامها : وليدة مباركة وبنتاً كريمة وزوجة مكرّمة ... ثمّ أمّاً مقدّسة ومعظّمة ، كانت الجنّة تحت قدميها ... . وبالمقارنة بين رؤية الاسلام المباركة للمرأة هذه ، وبين أوضاع المرأة في الجاهلية قبل الاسلام ، نعرف مدى الفارق العظيم والتغيير الكبير الذي أحدثه الاسلام في ذلك المجتمع .. كما إنّنا بالمقارنة بين نظرة الاسلام تلك وآراء الحضارات المختلفة في المرأة : الرومانية واليونانية والهندية والصينية وغيرها ، نعرف أيضاً مدى الظلم الذي تعرّضت له المرأة عبرَ تاريخها الطويل ، والثورة التي جاء بها الاسلام على تلك الأوضاع البالية والكئيبة .. ونعرف بذلك الأخطاء الكبيرة التي وقع بها الباحثون الذين لم يدركوا مكانة المرأة الرفيعة في دنيا الاسلام ، وتوقّفوا عند مسائل جزئية لم يستوعبوا أبعادها التشريعية ليهاجموا أو ينتقدوا من خلالها الموقف الاسلامي من قضايا المرأة . ونعرف كذلك الظلم الذي تتعرّض له المرأة في أوضاعنا الراهنة والمسافة التي تفصل واقعنا عن الاسلام العظيم ، والمستوى الذي يجب أن نصل إليه ابتداءً من أنفسنا ثمّ غيرنا : (يا أيّها الّذين آمَنُوا قُوا أنْفُسَـكُم وأهليكُم ناراً وَقُودُها الناسُ والحجارةُ عَليها ملائِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصونَ اللهَ ما أَمَرَهُم وَيَفْعَلونَ ما يُؤْمَرون ). (التحريم / 6)